أول عملية جراحية في التاريخ تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث مارس البشر الأوائل أشكالًا بدائية من الجراحة كجزء من محاولاتهم لفهم وعلاج الأمراض والإصابات. على الرغم من أن الأدوات الطبية الحديثة والتخدير لم تكن موجودة، فقد أظهرت الحفريات الأثرية والأدلة العلمية أن المجتمعات القديمة قد طوّرت تقنيات جراحية معقدة وممارسات متقدمة نوعًا ما. فيما يلي لمحة عن أولى العمليات الجراحية في التاريخ، وأبرز الأدلة على ممارسات الجراحة القديمة، وتطورها مع مرور الزمن.

## 1. **العملية الأولى: التربنة (ثقب الجمجمة)**

تعد **عملية التربنة** (أو ثقب الجمجمة) واحدة من أقدم العمليات الجراحية المعروفة في التاريخ البشري، حيث تعود الأدلة إلى نحو 10,000 سنة قبل الميلاد. اكتُشف العديد من الجماجم المثقوبة في مواقع أثرية تعود لعصور ما قبل التاريخ، في مناطق مختلفة حول العالم، مثل أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية. 
يعتقد أن عملية التربنة كانت تُجرى لعدة أسباب، مثل محاولة علاج الصداع الشديد، أو الأمراض العقلية، أو الصرع، وربما كجزء من طقوس دينية. اللافت أن بعض الجماجم التي خضعت لعملية التربنة تظهر علامات شفاء، مما يشير إلى أن المرضى كانوا ينجون من هذه العملية في بعض الحالات.

## 2. **الجراحة في الحضارات القديمة**

### **في مصر القديمة**
أظهرت النصوص الطبية القديمة، مثل **بردية إدوين سميث**، التي يرجع تاريخها إلى حوالي 1600 قبل الميلاد، أن المصريين القدماء أجروا جراحات معقدة مثل إعادة تصحيح الكسور، والجراحة التجميلية، وحتى معالجة التهابات الجروح. استخدموا أدوات بدائية، مثل المشارط المصنوعة من الحجارة والصوان، وكانوا يعرفون كيفية تنظيف الجروح والتعامل معها، مما ساهم في شفاء المرضى بنجاح.

### **في الحضارة الهندية القديمة**
في الهند، اشتهر الطبيب القديم **سوشروتا**، الذي عاش حوالي القرن السادس قبل الميلاد، ويُعرف بأنه "أبو الجراحة". يعتبر كتاب **سوشروتا سامهيتا** من أقدم النصوص الطبية التي تشرح بالتفصيل تقنيات جراحية متقدمة، بما في ذلك ترقيع الأنف، والعمليات التجميلية، وإصلاح الأنسجة. استخدم سوشروتا أدوات جراحية بسيطة، وطوّر تقنيات لتقليل الألم، مثل التبريد الموضعي.

### **في الحضارة اليونانية والرومانية**
مارس الإغريق والرومان الجراحة أيضًا، حيث طوروا أدوات جراحية معدنية متقدمة نسبيًا. يعتبر **أبقراط** و**جالينوس** من أبرز الأطباء الذين ساهموا في تطوير الممارسات الطبية والجراحية، ووضعوا أسسًا لتقنيات معالجة الكسور وتنظيف الجروح. استفاد الأطباء الرومان من أدوات معدنية متطورة، مثل الملقاط والمقصات، مما ساعدهم على إجراء عمليات جراحية بدقة أكبر.

## 3. **تطور الجراحة في العصور الوسطى وعصر النهضة**

خلال العصور الوسطى، استمرت الجراحة كحرفة، وتطورت بفضل جهود الأطباء المسلمين والعرب. كان **الزهراوي**، الطبيب الأندلسي، من أبرز الجراحين في تلك الفترة، وقد ألّف كتاب **التصريف لمن عجز عن التأليف**، الذي تناول فيه تقنيات جراحية دقيقة وأدوات جراحية صممها بنفسه. أسهم هذا الكتاب في نشر المعرفة الجراحية في أوروبا.

في عصر النهضة، ومع تطور المعرفة في علم التشريح، بدأ الجراحون الأوروبيون يحققون تقدمًا هائلًا في تقنياتهم، حيث ظهرت أولى عمليات بتر الأطراف ومعالجة الإصابات الحربية بشكل أكثر دقة.

## 4. **العصر الحديث والتطور العلمي**

مع اكتشاف التخدير في القرن التاسع عشر وتطوير أدوات جراحية معقمة، شهد الطب قفزة كبيرة في تحسين العمليات الجراحية. بدأ الأطباء بإجراء جراحات معقدة على أعضاء داخلية، وتمكنوا من تقديم رعاية طبية أفضل للمرضى. أدت هذه التطورات إلى خفض معدلات الوفيات الناتجة عن الجراحة وزيادة فرص التعافي.

## خاتمة

يمكن اعتبار الجراحة من أقدم وأهم الاكتشافات التي ساهمت في تطور الطب البشري. رغم أن الجراحات الأولى كانت بدائية وبدون تخدير، إلا أنها مهدت الطريق لتطوير جراحات معقدة وآمنة. إن تطور الجراحة من التربنة البدائية إلى العمليات المعقدة اليوم يعكس تطور المعرفة الطبية، ويبرز مدى إصرار الإنسان على مواجهة التحديات الصحية وتطوير وسائل علاجية تساهم في تحسين حياة البشرية.